مدينة عفرين
عفرين المدينة
تشير المصادر أنه في العهد الروماني، كان يمر من موقع مدينة عفرين الحالية، أحد الطرق الرومانية المعبدة "السريعة". وأظهرت الحفريات على الجهة الجنوبية من شارع طريق جنديرس، حجارة بناء ضخمة، ربما كانت أساسات لأبنية قديمة، أو أحجار القاعدة لذلك الطريق الروماني.
كما تذكر كتب التاريخ، أنه في القرون الوسطى - حوالي القرن الرابع عشر للميلاد- كان في موقع المدينة، جسر باسم "قيبار"، على اسم علي قيبار صاحب حصن قيبار بجانب قرية قيبار الحالية. وفي أواخر العهد العثماني، كانت خانات لإيواء المسافرين في موقع المدينة، في مكان مبنى البلدية الحالي بجانب الجسر. ولما سمي منطقة عفرين قضاءً، وقع الاختيار على موقع مدينة عفرين بجانب الجسر لتأسيسها، كما ذكرنا، وبقي اسم الجسر "كوبريه" يطلق على البلدة الى أمد قريب ، تعلوها قرية صغيرة "زيدية"، والتي صارت اليوم حياً من المدينة.
بدأ العمل في إشادة الأبنية الحكومية، ومكاتب الإدارة المدنية كالمخفر والسجن، والسراي المؤلف من 24 غرفة بطابقين سنة 1923 وانتهت مع نهاية عام 1925 أو بداية 1926، ثم المدرسة الابتدائية في عام 1927. واتخذ طريق " قرية الحمام " المتجه غربا شارعاً رئيسياً، يحيطه من الجانبين دكاكين ومحلات تجارية، مع فندقين صغيرين. وتجدر الإشارة إلى أن مدن "عفرين والقامشلي والسويداء" هي من تصميم المهندسين الفرنسيين "إيكوشار و دانجيه" بنموذجها الموحد.
أما أوائل سكان بلدة عفرين، فكانوا من الأرمن الذين يلوذون بالقوات الفرنسية اتقاء شر القوات التركية، وبنوا دورا لهم قرب الأبنية الحكومية، ثم تلاهم في السكن، بعض آغوات المنطقة، مثل آل سيدو ميمي، وآل غباري، وزعيم الإيزديين درويش أغا شمو، وأحمد خليل آغا من معمل أوشاغي، وآل شيخ اسماعيل زاده " كورشيد وأحمد جعفر " وغيرهم.
بعد الانتهاء من إقامة الأبنية الرسمية، تأسست مكاتب لدوائر السجل المدني، والمالي، والإفتاء، وباتت مدينة عفرين مجمعا للوثائق الرسمية وما يتعلق بأمور الناس الشخصية من سجلات النفوس والعقارات وغيرها بدلا من مدينة كلس.
التزم الفرنسيون في بداية حكمهم للمنطقة ببنود اتفاقهم مع الزعماء المحليين، فكان رؤساء المصالح المدنية " المالية والنفوس والبلدية، ومدراء المنطقة وقواد الدرك وعناصرها " من سكان المنطقة.
فكان محمد رشاد قهوة "خوجه رشيد" من قرية ترنده أول كاتب للنفوس في مدينة عفرين عام 1927. وأول مختار لها كان مختار قرية ترنده "حسكي سلو" . أما أول مفتي للمنطقة فهو الشيخ فاضل، وخلفه إبراهيم نعسو من قرية ميركان، ثم محمد الشامي لفترة قصيرة من ستينات القرن العشرين.
بقيت عفرين بلدة صغيرة، تنتشر دورها أسفل السفح الجبلي بشكل متناسق وجميل، ولكن معظمها طينية حجرية مسقوفة بالخشب. شهدت البلدة توسعاً عمرانياً كبيرا بسبب الهجرة المحلية الكثيفة إليها منذ نهاية عقد الستينات من القرن العشرين، فتشكلت أحياء جديدة: حي المحمودية "نسبة إلى ساكنها الأول" في الشمال الغربي، وحي الزيدية القرية القديمة في الشمال، وانتهى العمران حتى مرتفع "نسبة إلى كهف موجودة على سفحه الشمالي قرب المقبرة ".
ثم حي الأشرفية في الشرق، ومؤسسه وحيد الطحان الذي أنشأ فيها طاحونة ودارا للسكن، وحي القراج في الجنوب الشرقي، ومؤسسه هوريك الطبال. ويمتد الحيَّان الأخيران على مرتفع شرقي نهر عفرين آخذا اتجاها شمالياً جنوبياً إلى قرية ترنده، التي ضمت هي أيضا إلى المخطط التنظيمي للمدينة مؤخراً. وهناك حي البوبنة المحاذي للضفة الغربية لنهر عفرين.
مدينة عفرين بموقعها الجغرافي واستقامة شوارعها ومناخها ونهرها، مدينة جميلة وهادئة، يصفها المعجم الجغرافي السوري بأنها أجمل المدن الصغيرة في سورية. وهي حاليا حاضرة منطقة عفرين، والمركز الرئيسي لنشاطها الاقتصادي، والاجتماعي، والإداري. فمنذ العقد الأخير من القرن العشرين بدأت حركة بناء هامة في المدينة، فتحول شارع طريق راجو إلى مركز تجاري وعمراني رئيسي لها، وارتفعت على جانبيه الأبنية الطابقية، والمحال التجارية الجيدة، لمختلف أنواع البضائع.
في المدينة سوق تجارية يومية "سوق الهال"، تعرض فيه المنتجات الزراعية والحيوانية، إضافة إلى سوق الأربعاء الأسبوعي. وفيها عدة معامل لتصنيع البيرين والصابون، ومعاصر للزيتون، ومعامل صغيرة لمواد البناء والمأكولات، ومعمل للمشروبات الروحية يعود إنشاؤه إلى عام 1927. كما تكثر الورش الصناعية الفنية للنجارة والحدادة وصيانة الآلات والمركبات. وتمتاز مدينة عفرين بوجود حركة نقل دائمة وكثيفة مع حلب بسبب استقرار عشرات الآلاف من أبناء المنطقة فيها. وهذا ما يبني روابط اجتماعية واقتصادية وثقافية بين المنطقة ومدينة حلب.
|
تعليقات
إرسال تعليق