"جوان" ينفذ وصية والده ويصبح كرسياً


"جوان" ينفذ وصية والده ويصبح كرسياً
ابراهيم ابراهيم
  
الساعة تقارب من الزمن الممنوع ، و الجسد يتخبط في ارتباكاته ... الغرفة على امتدادها تعلن و لأول مرة منذ ما يقارب المائة لحظة  مهرجان الترتيب والتنظيف و المسح ، كل شيء في غرفة حتى المكنسة القديمة و الفستان المتهرئ الذي أعارتني إياه مالكة الغرفة كممسحة و أعقاب السجائر الكل ...الكل دون استثناء استبدت الشهوة بهم . . و لكن .... الكل في حالة تأهب قصوى الأصابع والأيادي و النظرات و أحياناً أخرى الأحلام ، الوسادة تنتظر من يتوسدها و بشروط مثقلة كأن يضع الواحد جعبة الدقائق و الساعات التي لونها بلحظات التعب و الحزن مثلاً قرب كفيه و ينام في حضرته مع السرعة المحددة قانونياً وفق ارتباكات الجسد المعلنة سابقاً ، أما الفرشة التي تغطيها رائحة العقابية الحامضة المقطوفة للتو من جبين جوان و زلات عينيه المتطايرتان بصدر الغرفة حيناً و المختفيتان في دهاليز جسده المكون حديثاً من بضعة بقع لحمية لم تعرف بعد ماذا يمكن أن يفعل بهما حيناً.
جوان إلى الآن يحلم بلحظة المشمش أو الكرز أو حتى التين ليصل به حتى ولو قطرة من مطر الصيف ... طبعاً على أن يكون ممزوجاً بقليل من الأحمر الداكن ، فجوان لا يختلف مع الفاكهة أبداً ...  خلافه هو كيف يمكن أن يلبس الحلاوة و يمتشقها دون يلمسها .
لعما ... مشكلة كيف و أين سأختبئ منها..؟
يا ليتني لم أحلم بالمشمش و بقيت على العقابية الحامضة أو حتى المُرّة
أين سأكلها ...؟
هي أول لحظة في حياة جوان ممارسة الممنوع من الجسد رغم أنه مارس عشرات لا بل مئات المرات سراً في الفرشة أو في مكان آخر أقل جمالية بالنسبة لجوان و من لحظة الممارسة ، فهو لم يتعلم في قريته سوى على المباح من الجسد و هو الوجه و اليدين و قليل من الآخر و في لحظات محددة و محرجة حتى بالنسبة له أما البقية الباقية فممنوع ، ممنوع، ممنوع.
الغرفة تكاد تلف جوان برقصة اليدين و القدمين ، و الفناجين و تلك القنينة التي جلبها جوان لتزيح عنه الحالة المثقلة بالعيب و الارتباك و الممنوع  تكاد تخترق اللحظة فهي لم تعد تتحمل جوان و ما يحيط به من حروب الصمت و الجسد.
طرقات الباب الخفيفة أعلنت مهرجان الجنون و الحيرة لدى جوان، دوران على النفس ، و سيلان اللعاب ، و اليدان تحررتا من الجسد ، وجوان طار في الموسيقى التي كان يسمعها ، و أهم ما في الأمر أن الفرشة و دون أن تلمسها أية أيادي كانت قد غطت الزاوية التي يخجل منها جوان دائماً ، و الوسادة قد لحقتها لتأخذ مكانها المحدد و قنينته التي اشتراها منذ اقل من مئة لحظة بقليل ركنت إلى زاوية من زوايا طاولته الزجاجية التي استعارها من جارته العجوز.
جوان تقصد بأن يستعير الطاولة الزجاجية ، فالزجاج و على اقل تقدير لا يخبئ أشياء كثيرة و اختراق العيون و مرور نظراته عبر الزجاج سهل .. و سهل جداً ، و المشكلة الكبيرة بالنسبة له هو أنه يخاف جداً من أن تمر الزجاجة عبر خوفه وارتباكاته و يصبح هو الطاولة و تجلس عليه المدعوة " كرز " ، ثم هناك مشكلة أخرى و هي أنها " الكرزة "و كما كان يفكر جوان بأنها سوف تتعبه من كثرة و طول الجلوس على الطاولة أي عليّ ... يا رب لماذا لم أبقى على العقابية ..؟ و ضروري أحلم بالكرز..!! لكن يا أخي الكرز طول عمري اشتهيه و من يوم ما ألبستني تلك الحمراء من الكرز جسدها نسيت العقابية.
الله... الله هل أصبح باباً ..؟ أم مفتاحاً ..؟ و أدعوا أشلاء الزمن هذا إلى مائدة والدي الذي لم يصلي .. و لم يصوم أبداً عن ممارسة الممنوع من صدر أمي ، فلماذا جعلني كاهناً في الممنوع و العيب ..؟؟ أم أصبح كرزاً و تأكلني الكرزة ...!!
جاءت لحظة الرصيف و غادرت مخيلة جوان مع طرقات الباب الكرزية و أصبح جوان خارج اللحظة و خارج الفرشة و الوسادة و نسي الطاولة و فكر ملياً .. الواقعية في الشهوة تقتضي بأن أكون كرسياً و تجلس عليّ تلك اللحظة القادمة ّ و المحترمة ، دخل مسرعاً على الغرفة و خبأ كل أشياء الغرفة خارجها لتبقى عارية من كل شيء إلا من واقعية الشهوة و الجسد التي ستنفيان حكماً واقعية الممنوع و العيب من التراث و الفلكلور"الجوّاني " ، وصفق بهدوء على يديه هكذا أحسن ، فأصبح أنا الكرسي و تجلس الكرزة عليّ و من ثم  سأنقذ نفسي من متاعب العيب و الممنوع و معاقبة الفلكلوريين و المحافظين على الإرث الثقافي و الأخلاقي لي و بالتالي  سأنفذ وصية والدي بأن احترام الضيف واجب مقدس فها أنني أصبحت كرسياً لضيفتي رغم أنني سأتعب جداً و لكن من الضروري أن  تجلس ضيفتي عليّ بكل راحة و سعادة واطمئنان ولذة وهذا هو واجب للحفاظ على الوصايا المليونية في الممنوع و العيب .

14 / 9 / 2007

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشائر و العائلات

الأشجار المعمرة في منطقة عفرين