ورْدٌ في اللفظ، وياسمينة في رائحة النطق
ورْدٌ في اللفظ، وياسمينة في رائحة النطق
(هيمن كرداغي، واللغة الكردية)
قصائد واسعة العشق والشفافية كقلب عفرين، يكتبها هيمن كرداغي على مساحات ضيقة من التنهدات الآتية من أزقة اللغة الكردية، العائدة للتو من حكايات النبيذ والتاريخ، لايستطيع قراءتها إلا الساكنين بالعشق والليل. هذه بعض من خرائط عشقه بلغة قبّانية وأحياناً أدونيسية دون أن يبتعد عن الساعة التي رسمتها أم بيكه س شركوه على معصمه بعضِّتها وهو طفل، ليرسم بأجمل ما يمكن للمرء ذكرياته الصغيرة. وهيمن هو الآخر يرسم لنا العشق بعضّاتٍ شعرية رقيقة وبما يشبه أسنان كانت للتو ترضع اللحظة الأولى من صدر قادم من دهاليز القلب الذي تركته عيشي شان وجميل هورو، عنواناً لكردية كانت منذ لحظة غائبة أعماق الوريد المرسوم بلغة الملا الجزيري وفقي تيران وأحمدى خاني، أولئك الشعراء الأغنياء بقواميس اللغة الحية من الكردية الجميلة:
(هنا...
خلف الحلم
هاجرتِ العصور عبر رائحة
التنهدات الهاربة..!!)
أية تنهدات قصدته هذه الكلمات التي ارتسمت على العصور؟، لتمرر من خلالها هروبها من هيمن ومن حلمه الذي لم يكن ليرتسم لولا أن الكلمة هي التي اختارت ما يكتبه الشاعر هذا عن ألوان وشفافية الكلمة الكردية الناطقة دائماً بما تملكه من ورد في اللفظ، وياسمينة في رائحة النطق:
(عشق بلّل
ياسمينة برائحته
ليسقي بها قصائدي الملونة).
ترى هل كانت عفرين هي سلالة الشعر أم الشعر هو سلالة عفرين؟، قد لا يكون هذا الكلام نخب كأس للكثيرين من أنصار الجمال والشفافية، لكن من يقرأ قصائد هيمن ويقرأ مارسمته الطبيعة من أجمل لوحة على تضاريس وجبال وسهول عفرين، تكاد تشبه في خطوطها وتفاصيلها الصغيرة قصائد هيمن المولودة للتو من رحم الشمس واسبتداد العشق لتفاصيل ارتكبته حبيبته الطائرة أبداً في سماء قلبه الواسع كامتداد "قرمتلق" على حدود الأسلاك المزركشة بزركشات اللغة من نقطة عين ديوار المخبأة في ثناياها إلى آخر وردة من حدائق الرمان في "باسوطة":
(في ليل لم تنم بعد
القبلات فرّت
والخوف استبد بي عبر تنهداتك، والغابة مقفلة
أما لحدائق، فطارت فيها العصافير الصغيرة).
مع هذا الحب وتلك السماء تنضم مؤهلات لغوية كردية إلى قلب هيمن كرداغي، لتستبد به و يمزق عشقه الشعري إلى أزمنة شعرية طويلة قد يرهق العشاق من كثرة ما يرسل هيمن فضاءات لا يستطيع حتى هو أن يشرب نخب ما يكتبه، لأنه قد تصل القصيدة إلى حد الثمالة من مشاعره التي قد تكفي كل نساء العالم، وقلمه الأنيق الذي يرتكب بعض المجازفات عندما يحاول أن ينهي ما يحمله من الحبر الأزرق أو الأحمر كما في قصائده الطويلة والطويلة جداً:
Ez bişewitim jî…
Dûmanê min wê ji te hez bike
(دخان احتراقي سيحبك أيضاً) فرغم محاولات هيمن الخروج من استبداد الكلمة الشفافة واللوحات الجميلة المرسومة بأحرف أجمل لغة وأكثر لغات الأرض استبداداً للقلب وللمشاعر، لايستطيع فك القيد الأنا، والمقصود هنا بالأنا، ليس بمفهومها الاجتماعي بل بمفهومها الجمالي الذي تمثله قصيدته الطويلة تلك:
(عذراً
لحظة عشقك
كانت ككل اللحظات.
كانت مثل كل أمواج العشق التي لطمتني
كانت كتلك الروزنامة
المعلقة على جدار غرفتي
تعد أيامها الطويلة التي مضت).
ويتابع هيمن بقليل من نسيانه الثمل لتلك اللوحات الصغيرة الرائعة وبكل ما تحمل الكلمة من معنى على الأقل على المستوى الجمالي للقصيدة التوقيعية ـ القصيرة، التي يكتبها، والتي فعلاً تستبد ليس بالقارئ فقط، بل وبفضاءات القارئ أيضاً؛ أسئلته في تلك القصيدة الطويلة:
(لم اسأل نفسي
فقط كنت أعرف أنني لن أتعب
رغم العاصفة القوية والصفراء
سأسلب منك ما تملكين من أوراق).
المفردات القوية والصلبة هذه يحاول هيمن بما يملكه من رقة وشفافية شعرية أن يخترقها، لكن لم يستطع رغم ما يملكه من مفردات شعرية هو نفسه ورغم ما تحمله اللغة الكردية من صغيرات الكلمات الجميلات، لكنه بين الحين والآخر وفي نفس القصيدة، تخترق مشاعرك مايمكن أن أسميه النوبات الشعرية الطويلة الأمد، حيث أن الشاعر يؤكد أن الشعر نوبة ولحظة ولا يمكن لأي أن يكون شاعراً إلا أن يختاره الشعر نفسه، لأن الشعر لا يثق بالكثيرين ممن يدعون أنهم المحمية الشعرية، وما يقال عن الشعر وصدقيته وجماليته يؤكده هيمن، لأنه يملك الثقة التي أعطاه إياه الشعر واللغة.
دانمارك - ابراهيم ابراهيم 15 / 1 / 2007
=====================
تعليقات
إرسال تعليق