نبي هوري
آثار عفرين
نبي هوري
=====
يوجد موقع نبي هوري في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية من منطقة عفرين . وهو لايبعد عن الحدود الدولية مع تركيا سوى /2/ كم. وتبلغ المسافة بينه وبين مدينة عفرين نحو / 45 / كم، وعلى بعد / 10 / كم من بلدة بلبل.
يمر نهر صابون إلى الشرق منه على مسافة / 1.5 / كم. وفي نهاية الانحدار الشرقي للموقع، نبع يسمى ( غرمكه ) ، وهو نبع غزير المياه، يصب في نهر صابون بعد عشرات الأمتار من تفجره.
أما مدينة نبي هوري، فتقع على السفح الشرقي للمرتفع الجبلي الذي أقيمت قلعة نبي هوري. والمدينة تتحدد من الجنوب بمرتفعات قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. أما من الشمال: فتتراءى الطبيعة الجميلة للقرى السورية الواقعة خلف حدود تركيا. ومنطقة نبي هوري من مناطق الاصطياف الممتعة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، من أهالي المنطقة ومدينة حلب، كما تزورها الفرق السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وقلعتها وآثارها الرائعة، ولكن وللأسف الشديد، لم يبق من القلعة سوى أجزاء من سورها. ويقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار، كانت عبارة عن حصن تابع للقلعة الأم، ويقال انه كان يصل بينهما نفق بينهما.
ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ ( نبي هوري )، قلعة هوري، أو قلعة نبي هوري، والاسم اليوناني للمدينة هو ( سيروس )، وسميت أحيانا (آجيا بولس) أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس اللذان بنيا كنيسة حول قبريهما، فقد دخلت سيروس المسيحية عل يد (سمعان الغيور) الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل ( قورش ) وأحيانا ( كورش ) ، ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع، وبناء المدينة فيها، والأحداث التي وقعت حولها.
فللاسم ( هوري ) رواية تقول: انه يعود إلى اسم ( اوريا ابن حّنان ) أحد قادة نبي داوود، الذي قتل في معركة هناك ودفن فيها، وقصة داوود مع زوجة ذلك القائد التي جرت هذه الأحداث في أوائل الألف الأول ق.م، معروفة تقول رواية دينية (( أن النبي ( داوود )، احب زوجة قائده أوريا، فأرسله إلى القتال في تلك الجهات، لكي يأخذ زوجته بعد مقتله. وهناك من المؤرخين من يرى أن هذه رواية مغرضة، لمناقضتها عصمة الأنبياء ،( الدر المنتخب، ص 225 ) .
كما أن ( هوري ) اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس ، وله ذكر في تاريخ الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. حيث انتشر هذا الشعب بكثافة في كل أرجاء الهلال الخصيب والنصف الشمالي من بلاد الرافدين. وتأسست الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، وسيطرت على كامل الشرق الأدنى القديم تقريبا. ويعتبر هذا الشعب الهوري سلفا قديما لشعوب هذه المنطقة. ولاتزال في هذه المطقة أماكن تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وأيضا اسم جبل ( هاوار ) القريب لفظيا من اسم هوري. أما الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي (كورش ) و يعود وجود المدينة إلى أيامه. وقد كتبه العرب أيضا على شكل ( قورش ) أحيانا.
أما عن تاريخ بناء المدينة، فإن المصادر تقول: انه في الفترة السابقة للهلينية (اليونانية )، كانت هناك مدينة، واغلب الاعتقاد، أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية.
أما المدينة الحدث ( سيروس ) التي نرى أطلالها الآن، والتي بناها القائد اليوناني (سلوقس نيكاتور) مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق، وتقول المصادر التاريخية انه باسم بلدة في بلاد اليونان.
- مدينة سيروس في الفترة اليونانية( 312-64 ) ق.م:
لايعرف تاريخ بناء المدينة بشكل دقيق، ولكنها تنسب كما قلنا إلى فترة حكم سلوقس نيكاتور ( 312-280 ) ق.م. ونظرا للموقع الهام للمدينة، فقد تمركزت فيها قوات عسكرية كبيرة، ولايعرف إن كانت تابعة لمدينة ما، وربما كانت مستقلة بذاتها. وفي تلك الفترة، وازدهرت بسرعة كبيرة، وكان يضرب فيها النقود، كما كانت مركزا مهما لعبادة الإلهين أثينا حامية البلاد العظيمة، وزيوس (إله الصاعقة). ويعتقد أن معبد زيوس كان على قمة الجبل المجاور للمدينة. إلا انه بعد انسلاخ آسيا الصغرى عن الدولة السلوقية، إثر معاهدة أفاميا عام 188 ق.م، فأصبحت سيروس مدينة حدودية، فقدت أهميتها المدنية، أصبحت مركزا لتجميع الجيوش، وتأمين الجنود الأشداء لملوك إنطاكية. وفي عام 83 ق.م، سيطر عليها ملك أرمينيا ( تيكران ) الكبير، فشمل الفوضى كل منطقتها، إلى أن استردها الرومان في عام 69 ق.م.
- في الفترة الرومانية:
أصبحت سوريا ولاية رومانية بدخول القائد الروماني ( بومباي ) إليها في عام /64/ ق.م. وكانت سيروس في بداية العصر الروماني مسرحا لمعارك كبيرة بين الرومان والبارسيين ( الفرس )، الذين اجتاحوا سوريا في عام /40 / ق.م وبصورة مؤقتة. وفي بداية سيطرة الرومان على مناطق سوريا استخدم الرومان سيروس مركزا لقوة عسكرية كبيرة هي الفرقة العاشرة، وظلت كذلك في الثلثين الأولين من القرن الأول الميلادي. ولكن بعد اتساع حدود الدولة الرومانية نحو الشرق، لم تعد سيروس منطقة حدودية، بل أصبحت مركزا لإحدى المناطق الإدارية الثلاث في سوريا، وعرفت بـ (سيروستيك) أو (قورستيكا) نسبة إلى عاصمتها مدينة سيروس، وكانت مدينة بيروا ( حلب ) تابعة لها.
وازدهرت منطقة سيروس ازدهارا رائعا في أيام الحكم الروماني البيزنطي، وخاصة في الفترة التي تسمى بالسلم الروماني، حتى أصبحت مفتاح منطقة الرافدين، وصلة الوصل بين إنطاكية وتسويجما ( مدينة نزب ) في تركيا شرقي عنتاب، وسكت فيها العملة. ولكن بعد إنشاء الطريق الروماني المعبد بين بيروا ومدينة منبج، تحول المركز الإداري لمقاطعة سيروستيكا إلى منبج، وأصبحت سيروس تابعا إداريا لها، إلا أن أهميتها التجارية استمرت، وظلت عقدة اتصال هامة في المنطقة طوال القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وكان يتفرع من سيروس ست طرق رئيسية إلى الأقاليم المجاورة.
بعد استلام الأسرة الساسانية عرش المملكة البارسية سنة 227 م، غزا الفرس سوريا واحتلوا سيروس وانطاكية سنة 257 م لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما استعادها الرومان. ورغم أحداث الحرب، وظروف الاحتلال، بقيت سيروس مزدهرة، ومركزا دينيا مسيحيا، وسياسيا مرموقا حتى نهاية العصر الروماني. فقد كانت كنيسة (ديونيسيوس) في سيروس والمدينة، في عهد القيصر اناستاس ملجأ للهاربين دون أن يصابوا بأذى (الدر المنتخب، ص 62).
- العصر البيزنطي (القرن الرابع الميلادي وحتى مجيء الإسلام):
جرى الانفصال السياسي بين بيزنطة وروما عام 330 م، وتشكلت على أثرها الدولة البيزنطية التي اعتنقت المسيحية. ويعود الفضل في معرفة معلومات غزيرة عن أحوال مدينة سيروس في هذه الفترة إلى كتاب (التاريخ الديني)، الذي ألفه أسقف سيروس المسمى تيودور أو تاودوره (رزق الله)، الذي استلم اسقفيتها اعتبارا من عام 423م. فقد ذكر تاودوره في كتابه أن منطقة سيروس كانت أبرشية تضم 800 كنيسة، أما إداريا، فقد كانت جزءا من ولاية الفرات. وأصبحت منطقة كبيرة طولها 80 كم، وعرضها 50 كم، تحيط بها أربع ابرشيات، هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب. وكانت إداريا تضم: جبل الأكراد، وشيخ خوروس، وميدانكي واعزاز، وكلز، وجبرين اعزاز، واكده ، نيارا، وشيخ ريح، إضافة إلى العاصمة سيروس. وغيرها العديد من القرى ( الأب بولس، ص 80 ). أما قلعة المدينة وسورها والعديد من الأبنية العامة، فقد بنيت بفضل الإمبراطور جوستينيان. وفي هذه الفترة البيزنطية كانت سيروس، أصبحت مقرا لفرقة عسكرية كبيرة.
وفي النصف الأول من القرن السادس للميلاد، تعرضت المدينة إلى غارات الفرس، وانتهت تلك العمليات العسكرية بتوقيع معاهدة سلام بينهم وبين الإمبراطور جوستينيان في عام 532 م. إلا أن الفرس خرقوا تلك المعاهدة بعد عدة سنوات وهاجموا سوريا مجددا، واحتلوا حلب وانطاكية، واستمرت حالة الحرب والسلم بين الفرس والبيزنطيين حوالي قرن من الزمن، تبادلوا خلالها السيطرة على هذه المناطق من شمال سوريا، إلى أن طرد الإمبراطور البيزنطي ( هرقل ) طرد الفرس منها نهائيا في عام 630 م. ونتيجة للحروب السابقة، تعرضت سيروس للخراب مرتين في أعوام 540 و 574 م. وعلى اثر ذلك ضعفت أهميتها التجارية، ولكنها بقيت تحتفظ بأهمية دينية مرموقة، وسميت في القرن السادس الميلادي ( آجيا بوليس ) المدينة المقدسة أو القديسين.
- العهد الإسلامي:
استسلمت مدينة سيروس إلى القائد الإسلامي عياض بن غنم عام / 637 / ميلادي سلما، شرط دفع الجزية. ونظرا لوقوعها على الحدود البيزنطية، فقد كانت لها أهمية عسكرية خاصة في أيام الأمويين والعباسيين. وقد أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، بنقل حجارة كنيسة سيروس، لاستعمالها في بناء جامع ذكريا بحلب، فدفع الإمبراطور البيزنطي أموالا طائلة لقاء استرداد ثلاثة أعمدة من أعمدة الكنيسة، التي يقول عنها ابن الشحنة: أنها كانت من عجائب الدنيا السبع، إلا أن الوليد رفض طلبه. وفي عهد هارون الرشيد الخليفة الأموي، كانت سيروس من جملة العواصم السبع، وفيها حامية عسكرية كبيرة تابعة إداريا لمنبج .
وقد استولى البيزنطيون على سيروس مجددا في عام 905 م، وبقيت في حوزتهم. إلى أن استولى عليها الصليبيون وأطلقوا عليها اسم (كوريسي)، وجعلوها من الإقطاعيات التابعة لكونتيسة اديسا (رها الحالية).
وقد لعبت مدينة سيروس دورا هاما في الربط بين إمارتي إنطاكية والرها في الفترة الصليبية. وفي عام 1150 م، بعد أن اسر القائد البيزنطي جوسلين بيد مجموعة من سكان المنطقة المسلمين، سيطر نورالدين زنكي على سيروس، كما سقطت بيده قلاع وحصون الإفرنجة في تلك الأنحاء، مثل اعزاز وراوندان…الخ. إلا أن نورالدين أمر بتدمير سيروس، والانسحاب منها عام 1157 م خوفا من عودة سقوطها بيد الفرنجة. كما أن زلزالا كبيرا حدث في عام 1140 م كان قد اضر بالمدينة كثيرا.
ومنذ ذلك التاريخ هجرت المدينة تماما، وتحولت إلى أطلال مندثرة، إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في بيروت السيد /هنري سرينغ/ في عام 1952، بالتنقيب فيها لسبع مواسم متفرقة، وكشف النقاب عن المعالم الأساسية للمدينة وأبنيتها، فأثار انتباه الباحثين والمهتمين بالآثار والتاريخ إليها.
ومن ابرز المعالم الأثرية الباقية لمدينة سيروس، هو المسرح الروماني الرائع الذي يعتبر اجمل مدرج روماني، ويعود بناؤه إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، إضافة إلى شارعها الرئيسي والحمامات والمدافن التي بنيت عل غاية من الرقي والإبداع. وفيها قبر لقائد روماني على شكل برج مسدس الشكل لايزال يحتفظ بكامل هيكله، يقع على الطرف الجنوبي الغربي للمدينة، في الغرفة الصغيرة تحت البرج مقام (قبر رمزي) مؤرخ لعام 703 للهجرة، و قد بني بجانب المدفن مسجد مؤرخ في عام /1276/ للهجرة يؤمه المصلون المسلمون من القرى المجاورة في إقامة صلاة الجمعة والعيدين
======
قلعة سمعان
تقع قلعة سمعان في أقصى النهاية الجنوبية من قسم جبل ليلون. وهي مبنية على نتوء صخري، يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر/ 564 / م. وكان القديس سمعان، قد اختار هذا المكان المنعزل، بقصد التقرب إلى الله للعبادة جريا على عادة الرهبنة عند النصارى .( ولد سمعان أو سيمون حوالي عام 368 للميلاد في بلدة (سيس) القريبة من مدينة أضنة الحالية في تركيا. كان في صغره راعيا للماشية، وانضم في ريعان شبابه إلى جماعة من النساك قرب (سيس)، وبقي معهم مدة سنتين، ثم انتقل إلى منطقة دير تلعادة جنوبي جبل شيخ بركات وأمضى هناك عشر سنوات في الصلاة والتقشف، حيث كان يتناول الطعام مرة واحدة في الاسبوع، فطلب منه مغادرة الدير لشدة أذاه على نفسه، فلجأ في عام 412 م إلى بلدة تيلانيسوس (دير سمعان) الحالية وعاش فيها ثلاث سنوات، وصام هناك أربعين يوما دون أن يأكل أو يشرب، إلى أن أصبحت عادة لديه. ثم أرتقى إلى قمة الجبل وربط نفسه هناك بسلسلة حديدية إلى صخرة، وراح الناس يقصدونه من كل حدب وصوب، فبنى لنفسه عمودا ليقيم عليه تلافيا لازدحام الناس وتقربا إلى الله، وظل يعلي العمود بين الحين والآخر إلى أن وصل ارتفاعه إلى /16/ مترا، وأمضى عليه اثنين وارعين عاما لحين وفاته وهو على عموده سنة 459 م ) يصل موقع القلعة في الشمال بامتداد تضاريس سطح الجبل. وتتحدد الجهات الثلاث الأخرى بجروف صخرية عالية، خاصة من الناحية الغربية، حيث يزيد ارتفاعه هنا عن مائة متر. فالقلعة تنتصب على نتوء صخري يطل من جهة الغرب على سهل جومه ( عفرين ) الفسيح، الذي يخترقه نهر عفرين من وسطه، كأفعى فضية عملاقة، ويؤطر هذا المشهد الخلاب في أقصى الغرب جبل الآمانوس لتشكل لوحة طبيعية رائعة، خاصة وقت الغروب. فللغروب في القلعة سر خاص، وجمال لايوصف. وعلى حد قول الأب ( قوشاقجي )، فان هذا الجمال الطبيعي الأخاذ، كان يؤجج نار الإيمان في قلب مار سمعان مع كل إطلالة لشمس أو غروبها وهو من فوق عموده متأملا هذه الطبيعة المدهشة من حوله.
- تاريخ بناء ( القلعة ) الكنيسة: تعتبر كنيسة مار سمعان من اكبر كنائس العالم، وأفخمها إلى يومنا هذا. فقد اتخذ البناءون من عمود (مار سمعان) مركزا لبنائها الذي أخذ شكل صليب، ذراعه الشرقي أطول قليلا من الأذرع الثلاثة الأخرى المتساوية. وتبلغ مساحة الكنيسة / 5000 / مترا مربعا. وبدئ العمل ببنائها عام / 476 / م، وتم الانتهاء منها سنة / 490 / م. ثم أضيفت ملحقات الكنيسة بعد ذلك لسنوات، وهي: (الدير الكبير، وبيت المعمودية، والمقبرة، وبعض دور السكن لطلاب العلم، وفنادق للضيوف)، حتى بلغت مساحة البناء الإجمالية / 12000 / مترا مربعا.
في عامي / 536 و 528 / م، وقعت زلازل شديدة في المنطقة، فألحقت ضررا كبيرا بالكنيسة، وربما سقط سقفها الخشبي وقتئذ.
وبعد خضوع المنطقة للمسلمين، بقيت الكنيسة بيد أصحابها المسيحيين مقابل دفع الجزية، واستمر الأمر على ذلك إلى أن ضعفت الدولة الإسلامية، فسيطر عليها البيزنطيون مجددا في أواسط القرن العاشر الميلادي، حينما انتصر (نقفور) البيزنطي على الحمدانيين في حلب عام 970 م، فبنى حولها سورا قويا مدعما بـ / 27 / برجا. وتحولت الكنيسة وملحقاتها من مركز ديني مرموق، إلى قلعة عسكرية حصينة، في منطقة حدودية بين البيزنطيين والمسلمين، وعرفت من يومها بقلعة سمعان.
ثم توالت أحوال الكنيسة بتغيرات على النحو التالي:
ففي عام 985 م، استولى عليها سعد الدولة بن سيف الدولة فترة وجيزة، وقتل رهبانها، وباع بعضهم عبيداً ( حجار ص 43 ). كما سيطر عليها الفاطميون عام 1017م. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر، تحولت المنطقة إلى دائرة صراع بين القوى المختلفة المتنازعة في السيطرة على مناطق حلب، وانطاكية، من البيزنطيين والصليبيين والزنكيين ثم الأيوبيين، ومن بعدهم المماليك والعثمانيين. وفي غمرة هذه الأحداث العسكرية والفوضى العامة، تراجعت الأهمية الحربية للقلعة، وهجرت تدريجيا، إلى أن جاء القرن السادس عشر، فاستوطنها أحد سكان جبل ليلون، وأضاف في الضلع الشرقي من الكنيسة طابقين (د.شعث ، ص 25 ). وظلت هكذا إلى قامت الجهات المختصة في سوريا بالاعتناء بها كمعلمة أثرية تاريخية.
وتبعد القلعة عن مدينة عفرين نحو/ 20 / كم. وعن حلب حوالي/ 40 / كم. ويؤمها سنويا عشرات الآلاف من الزوار، وآلاف السياح من مختلف الدول، والأوربية منها خاصة.
-
قرية دير سمعان:
بعدما توفي مار سمعان ( الذي ذاع صيته سائر البلدان )، اكتسبت المنطقة شهرة ومكانة مرموقة ومقدسة بفضله. فتحولت هذه القرية المجاورة إلى مدينة للرهبان، وبني فيها ثلاثة أديرة، لكل منها كنيستها والملحقات الأخرى للدير، إضافة إلى فنادق لاستقبال الحجاج وكبار الضيوف الوافدين إليها حتى القرن الحادي عشر الميلادي . والدير الوحيد الذي بقي سالما نوعا ما إلى يومنا هذا، هو الدير الصغير الموجود في الجهة الجنوبية للقرية، وشيد بناؤه عام / 550 / م تخليدا لذكرى مار سمعان.
كانت تيلانيسوس ( دير سمعان) في العصر البيزنطي مركزا معروفا للعلوم الدينية المسيحية من جهة ومنتجعا للأغنياء من أهل إنطاكية. كما كانت ملجأ للمتهربين من دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية في الفترة البيزنطية. فانتعشت المدينة كثيرا في القرن الخامس وبداية السادس الميلادي، بسبب وقوعها على طريق أفاميا وسيروس، مما دعى إلى إنشاء الكثير من الفنادق والمضافات لكبار الزوار فيها.
ومدينة تيلانيسوس أو قرية ( دير سمعان ) الحالية لاتبعد سوى / 500 / م عن القلعة، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك بأنها شهدت نفس الأحداث والمراحل التي حلت بالقلعة، حتى آل مصيرها إلى الخراب هي الأخرى في فترة إهمال القلعة خلال القرنين/ 11 و12 / الميلاديين.
=========
موقع عيندارا
=======
يقع موقع عيندارا الأثرى غربي قرية عيندارا الحالية بمسافة / 1 / كم. وعلى مسافة / 5 / كم جنوبي مدينة عفرين. تحيط به سهول خصبة من ثلاث جهات، ويحده نهر عفرين من الغرب على بعد بضع مئات من الأمتار منه. كما يخترق الموقع جدول ماء نبع عيندرا، الذي يأخذ مجراه من بحيرتها الصغيرة، ليصب في نهر عفرين غربي التل.
يتألف هذا الموقع الأثرى الهام من قسمين: جنوبي صغير وقديم، وشمالي كبير، اقل قدما.
1- القسم الجنوبي: وهو مرتفع صغير من الأرض، تبلغ مساحته نحو دونم واحد. يقول الأثريون عنه: بأنه عبارة عن قرية زراعية من العصر الحجري الحديث، سكنها الإنسان منذ حوالي عشرة آلاف عام. إلا أنه لم تجر فيها أعمال تنقيب واسعة، سوى عملية سبر بسيطة أظهرت بعض الأدوات الصوانية، وأحجار بناء، تعود للعصر الحجري الحديث.
2- القسم الشمالي: يتألف هذا القسم من جزأين، شمالي: وهو أرض منبسطة بمساحة / 4600 / مترا مربعا . ويطلق عليها المدينة التحتانية. يقول عنها د.أبو عساف: انه في نهاية الألف الثانية ق.م، أحيطت هذه المدينة بأسوار دفاعية وبأبراج، وكان للمدينة أربعة أبواب في جهاتها الأربعة ولإيزال بقايا سورها موجودا في الناحية الغربية من المدينة. إلا انه لم يجر تنقيب في هذا الجزء إلا في مكان الباب الشمالي، وبعض أماكن السور الغربي. جنوبي: وهو تل عيندارا المعروف، وتبلغ مساحة سطحه 7500 مترا مربعا، ويسميه الأثريون (المدينة الفوقانية) وابرز ما يميز هذا الجزء عن غيره، هو معبده الأثرى المشهور في الجهة الشمالية.
وتختلف الآراء حول تاريخ بناء هذا المعبد . المصادر الرسمية السورية تربطه بالفترة الآرامية، لولا أن معظم الباحثين يرجحون بدايات حثية وهورية للمعبد، حيث يقول د.شعث ص 58: إن المعبد مقام على طراز هيلاني، وهو نمط بناء هوري - ميتاني، وقد ساد هذا الشكل من البناء في سوريا الشمالية بين الفترة / 1200-700 / ق.م، وقد برهنت حفريات عيندارا على الصلة الحضارية الوثيقة التي ربطت مناطق شمال سوريا بالحضارة الحثية. هذا، وقد عثر المنقبون في المعبد على كسرات لكتابات هيروغليفية حثية من الألف الأول ق.م. ويجزم كتاب دليل حلب السياحي: بأن المعبد حثي ويعود إلى الآلف الأول ق.م. كما عثر في حفريات المعبد على لوحة للإله عشتار بالحجم الطبيعي، ولكن كما يقول د.أبو عساف (وهو من الفريق الذي عمل في تنقيبات المعبد والتل): إن الزائر للمعبد يتوق إلى معرفة الرب الذي شيد له هذا المعبد وكرس لعبادته، ولكن لم نعثر على وثائق كتابية بهذا الخصوص. إلا انه من المؤكد، أن وجود تماثيل الأسود في مدخل المعبد، وعلى البوابة، وفي كل محيط المعبد تقريبا، لايدع مجالا للشك بأنها على نمط بناء الشعوب الجبلية /كما يقول مورتكارت (ص 229)/، هؤلاء الذين كانوا يجهزون أبوابهم مبانيهم بممرات مزدانة بأسود من الجانبين وحيوانات خرافية، هدفها حماية هذه الأبواب بطريقة سحرية يعتقدونها. وهذا ما يربط بناء المعبد بفترة ما قبل عام 1200 ق.م، أي فترة وجود الإمبراطورية الحثية على الأقل. فالمعبد الرئيسي في آلالاخ، تم تزيينه في مرحلته الأخيرة بتماثيل على شكل الأسود، نحتت من البازلت، وهي تعود إلى سوية بناء الفترة من 1347 –1283 ق.م . وان اقدم نموذح لمثل هذه التماثيل، هي التي كانت قائمة على أبواب قرقميش ( جرابلس).
أما تاريخ استقرار الإنسان في القسم الشمالي من تل عيندارا بجزأيه الشمالي والجنوبي، فإنه يعود إلى الألف الرابعة ق.م، واستمر ذلك حتى العهد العثماني مع فترات انقطاع. على مدافن وجرار وبعض الأختام والأواني الفخارية، وأساسات بيوت مجاورة للمعبد وقد حاولنا جاهدين العثور على مراجع في تاريخ موقع عيندارا في فترة حكم الشعوب الجبلية، فلم نفلح في ذلك، ولهذا السبب سنكتفي بما كتبه د.عساف حول الاستيطان في موقع عيندارا، الذي يبدأ بالفترة الآرامية :
- العصر الآرامي المتأخر 740 - 530 ق.م: من آثار هذه الفترة العثور من الغرب.
- العصر الأخميني (البارسي) 530 - 330 ق.م: من اللقى الأثرية في هذا العصر، دمى أنثوية للربة عشتار، وتميمة من الحجر البللوري، مثل عليها ( أهورامزدا ) الرب الفارسي الممتد مع قرص الشمس المجنح ( د.فاروق- أبحاث..). كما عثرت على البقايا المعمارية لهذه الفترة فوق أنقاض المعبد.
- العصر اليوناني - السلوقي 330 - 80 ق.م: كانت المدينة محصنة ومزدهرة في هذه الفترة، حيث عثر على فخار يوناني، وكميات كبيرة من الفضة السلوقية.
- الفترة الرومانية البيزنطية: لم يعثر في الموقع على آثار تدل على انه كان مسكونا في هذا العصر. ويبدوا أن المركز الإداري للمنطقة كان منقولا في هذه الفترة من عيندارا إلى باسوطة المجاورة.
- العصر الأموي - العباسي: عادت الحياة إلى هذا الموقع من جديد، واشتغل أهلها بالزراعة، واستخدموا النورج والمحراث الخشبي ذو النصل الحديدية، مثلما كان عليه الحال في جبل ليلون قبل ثلاثة عقود من السنين فقط، ثم اختفت تلك الوسائل الزراعية بحلول الوسائل الحديدية. واستمر ازدهار المدينة بعد خضوعها ثانية للبيزنطيين عام / 969 / م (أيام الدولة الحمدانية)، حيث وجدت فيها مبان جيدة، ومنشآت عامة، ومعاصر للزيتون، وأفران لصناعة الخبز وصهر الحديد. وعثر في الموقع، على آثار كنيسة القرية وعلى العديد من الصلبان البرونزية في الكنيسة، وفي البيوت وعلى الكثير من أدوات الفلاحة، كالمحاريث والمناجل والمقصات الحديدية وغيرها. ومن أهم اللقى الأثرية كمية من النقود الذهبية في المنازل المحترقة، تعود إلى قياصرة بيزنطيين. وفي هذا العصر كان السور الدفاعي للقرية منيعا ذا أبراج قوية، وقد أنشئ حصن في الزاوية الجنوبية من التل.
- العصر المملوكي: بعد تراجع الحكم البيزنطي أمام دخول السلاجقة الأتراك إلى شمال سوريا وأواسط الأناضول في عام 1086 م، أحرقت القرية البيزنطية في عين دارا، ودمرت تدميرا شاملا وأقيمت فوق أنقاضها بيوت جديدة، ولكنها هي الأخرى هجرت بعد فترة قصيرة وتحولت القرية (المدينة) إلى أطلال متناثرة، يزرع في مكانها الشعير، كما يقول المثل الكردي.
وقد تم التنقيب في موقع عيندارا، من قبل بعثة وطنية سورية، لأول مرة في عام 1954. وتوالت الاكتشافات خلال عدة مواسم عمل، فاكتشف هذا المعبد الهام في أواخر الستينات
============
كهف دوده رييه
========
هي واحدة من الكهوف الكثيرة المنتشرة في وادي نهر عفرين وجبل ليلون. يقع في منتصف الانحدار الغربي لجبل ليلون، في المنطقة الواقعة بين قريتي برج عبدالو وغزاوية، في واد يحمل نفس الاسم ( دوده رييه ). ويبعد الكهف عن مدينة عفرين مسافة 13 كم من جهة الجنوب، وعن الطريق المعبد بين قريتي برج عبدالو وغزاوية بنحو / 2 / كم شرقا ، وعن نهر عفرين في الغرب بمسافة / 4 / كم. أما ارتفاع موقعها عن سطح البحر فيبلغ / 450 / م .
و ( دوده رييه ) شديد الانحدار باتجاه الغرب، ذو حافات شاهقة. فإذا وقف المرء في منتصف الثلث الأوسط من الوادي، ونظر جنوبا فإنه يرى، على ارتفاع أكثر من مائة متر تقريبا، الباب الشمالي للكهف الذي يأخذ شكل قنطرة، مطلة على الوادي من قمة منحدر شاهق يتعذر الوصول إليه بشكل مستقيم.
( دوده رييه ): يعني ذو البابين . بابه الأول: يشرف على الوادي باتجاه الشمال، وأبعاده /8 /م عرضا و/5ـم ارتفاعا. أما بابها الآخر الجنوبي: فهو بمثابة مدخنة طبيعية واسعة، متوسط قطرها نحو / 8 / م، مفتوح باتجاه السماء ، متماديا مع استواء الجبل، بحيث تتعذر مشاهدته قبل الوصول إليه. وبجانب هذا الباب فسحة ارض ترابية منبسطة. ويبلغ عمق الكهف نحو /30/ م، ويأخذ سقفه شكل قنطرة، ارتفاعها عند الباب الجنوبي ( المدخنة ) حوالي / 8 / م.
وكان قد أشير إلى الكهف كموقع للتنقيب من قبل بعثة يابانية سورية في عام 1988. وبدأت أعمال التنقيب فيها عام 1989. وخلال تنقيبات عامين متواليين، تم العثور على / 70 / قطعة من أجزاء الهيكل العظمي لإنسان ( نياندرتال ) من العصر الحجري القديم الأوسط، الذي وجدت عظامه في كهف ( شانيدار ) في شمال العراق، و( آمد _ ديار بكر ) في تركيا. وأنهت البعثة صياغة نتاج عملها خلال تلك السنتين بتقرير نشر في اليابان سنة / 1993 / . أما المفاجأة الأولى فكانت في موسم تنقيب 1993 حينما عثروا على هيكل عظمي كامل لطفل يبلغ من العمر عامين، وهو في وضعية توحي بعملية دفن بدائية، وكان ذلك الهيكل هو الأكمل لإنسان نياندرتال في العالم. وقد قدر علماء البعثة اليابانية عمر العظام بحوالي 100 ألف سنة . أما المفاجأة الثانية فقد كانت في موسم تنقيب 1999 حيث عثرت البعثة على هيكل عظمي لطفل نياندرتالي آخر، لم تظهر – بعد - المعلومات التفصيلية عن عمره وتاريخ وفاته. وبعد أن بانت هذه الأهمية الكبيرة للكهف، وضعت البعثة أبوابا حديدية على بابي الكهف، واعتبر من المواقع الأثرية النادرة وبالغة الأهمية في العالم.
===========
براد وقصر براد
========
تقع براد على جبل ليلون جنوبي شرقي باسوطة على مسافة 8 كم منها، موقعها قديم، ويعتقد أن الاستيطان فيه يعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين. حيث يوجد في الموقع معبدا وضريحا ودكاكين ترمز إلى وجود صناعة الزيت في القرية تعود إلى سنوات 202 - 203 للميلاد.
كما تشير الدلائل إلى أن القرية تطورت كثيرا في القرن الرابع الميلادي. حيث يقول ( تاودورة أسقف قورش) بأنها المدينة الكبرى في جبل ليلون، ومركزا لإدارة منطقة جبل سمعان، وهي من أكبر القرى الأثرية في شمالي سوريا مساحة، وفيها العديد من الفيلات الجميلة، كما فيها دور سكن متناثرة ذات أحجار مضلعة غير منتظمة تعود إلى الفترة الرومانية والقرنين الثاني والثالث للميلاد، بما في ذلك مدفن روماني وحمامات.
توجد في وسط قرية براد كنيسة القديس جوليان أو يوليان / 399 –402 / م، وهو نفسه المهندس الذي اشرف على بنائها، وهي ثالث اكبر كنيسة في سوريا بعد كنيستي سمعان وكرانتين شرقي معرة النعمان، ويعتقد أن أبو الطائفة المارونية مار مارون (347 - 410 م ) قد دفن فيها. ويبدو أن الكنيسة بنيت فوق معبد قديم. وخلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين، أقيمت الأحياء الغربية للقرية، وفيها كنيستين، تعود إحداهما إلى عام 541 م، وأخرى صغيرة كانت بمثابة معبد صغير ربما تعود إلى القرن السابع الميلادي. وفي قسمها الشمالي الغربي، يوجد مقر الإقامة الرسمية الذي بني نحو عام 496م. وفي الجنوبي الغربي، وعلى بعد حوالي 500 مترا، أقيمت الرهبانية في القرن السادس الميلادي ، وفيها ديران وبرج إضافة إلى عمود للعبادة، يبلغ طوله ثمانية أمتار، لاتزال بعض أجزائه موجودا حتى تاريخه.
ثم توسعت براد، وازداد عدد سكانها في القرن السابع الميلادي، وأصبحت لها شبكة من الطرق الداخلية. وأصبحت مركزا صناعيا وزراعيا معروفا، بسبب ممارسة الزراعات المختلفة، كالحبوب والزيتون والكرمة، إلى جانب تطور الصناعة وخاصة زيت الزيتون. أما في القرن العاشر للميلاد، تحولت براد إلى مركز دفاعي بيزنطي، فاتخذت مبانيها الدينية قلاعا وحصونا حربية.
وبراد اليوم، قرية صغيرة متخلفة جدا وسط خرائب واسعة، تشير إلى ماضيها التليد. وهي تقع وسط محيط فسيح من صخور جبل ليلون البيضاء، التي لاتتخللها فسحة لزراعة ما يمكن الاعتماد عليها كوسيلة وحيدة للعيش. ويسكنها حاليا سكان الجبل
يمر نهر صابون إلى الشرق منه على مسافة / 1.5 / كم. وفي نهاية الانحدار الشرقي للموقع، نبع يسمى ( غرمكه ) ، وهو نبع غزير المياه، يصب في نهر صابون بعد عشرات الأمتار من تفجره.
أما مدينة نبي هوري، فتقع على السفح الشرقي للمرتفع الجبلي الذي أقيمت قلعة نبي هوري. والمدينة تتحدد من الجنوب بمرتفعات قليلة الارتفاع مغطاة بأشجار الزيتون. أما من الشمال: فتتراءى الطبيعة الجميلة للقرى السورية الواقعة خلف حدود تركيا. ومنطقة نبي هوري من مناطق الاصطياف الممتعة في محافظة حلب، يرتادها مئات المصطافين أسبوعيا، من أهالي المنطقة ومدينة حلب، كما تزورها الفرق السياحية الأجنبية للتعرف على مدينة سيروس وقلعتها وآثارها الرائعة، ولكن وللأسف الشديد، لم يبق من القلعة سوى أجزاء من سورها. ويقابل موقع القلعة من الغرب قمة جبلية أخرى، عليها أطلال آثار، كانت عبارة عن حصن تابع للقلعة الأم، ويقال انه كان يصل بينهما نفق بينهما.
ولهذا الموقع الأثرى عدة تسميات. فهو يعرف حاليا بـ ( نبي هوري )، قلعة هوري، أو قلعة نبي هوري، والاسم اليوناني للمدينة هو ( سيروس )، وسميت أحيانا (آجيا بولس) أي مدينة القديسَين كوزما ودميانوس اللذان بنيا كنيسة حول قبريهما، فقد دخلت سيروس المسيحية عل يد (سمعان الغيور) الذي بنى فيها كنيسة، ومات ودفن فيها. أما المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا اسمها على شكل ( قورش ) وأحيانا ( كورش ) ، ولجميع هذه الأسماء صلة بتاريخ استيطان هذا الموقع، وبناء المدينة فيها، والأحداث التي وقعت حولها.
فللاسم ( هوري ) رواية تقول: انه يعود إلى اسم ( اوريا ابن حّنان ) أحد قادة نبي داوود، الذي قتل في معركة هناك ودفن فيها، وقصة داوود مع زوجة ذلك القائد التي جرت هذه الأحداث في أوائل الألف الأول ق.م، معروفة تقول رواية دينية (( أن النبي ( داوود )، احب زوجة قائده أوريا، فأرسله إلى القتال في تلك الجهات، لكي يأخذ زوجته بعد مقتله. وهناك من المؤرخين من يرى أن هذه رواية مغرضة، لمناقضتها عصمة الأنبياء ،( الدر المنتخب، ص 225 ) .
كما أن ( هوري ) اسم شعب جبلي قديم سكن جبال زاغروس وطوروس ، وله ذكر في تاريخ الشرق الأدنى، يغطي نصف الألف الثالثة، وكل الألف الثانية ق.م. حيث انتشر هذا الشعب بكثافة في كل أرجاء الهلال الخصيب والنصف الشمالي من بلاد الرافدين. وتأسست الإمبراطورية الميتاهورية الكبيرة في أواسط الألف الثانية ق.م الميلاد، وسيطرت على كامل الشرق الأدنى القديم تقريبا. ويعتبر هذا الشعب الهوري سلفا قديما لشعوب هذه المنطقة. ولاتزال في هذه المطقة أماكن تحمل اسم هوري، مثل: كهوف وخرائب الهوريين قرب قرية جويق، وأيضا اسم جبل ( هاوار ) القريب لفظيا من اسم هوري. أما الاسم سيروس فتقول بعض المصادر انه اللفظ اليوناني لاسم الملك الفارسي (كورش ) و يعود وجود المدينة إلى أيامه. وقد كتبه العرب أيضا على شكل ( قورش ) أحيانا.
أما عن تاريخ بناء المدينة، فإن المصادر تقول: انه في الفترة السابقة للهلينية (اليونانية )، كانت هناك مدينة، واغلب الاعتقاد، أنها كانت موجودة منذ الفترة الهورية.
أما المدينة الحدث ( سيروس ) التي نرى أطلالها الآن، والتي بناها القائد اليوناني (سلوقس نيكاتور) مؤسس الدولة اليونانية السلوقية في الشرق، وتقول المصادر التاريخية انه باسم بلدة في بلاد اليونان.
- مدينة سيروس في الفترة اليونانية( 312-64 ) ق.م:
لايعرف تاريخ بناء المدينة بشكل دقيق، ولكنها تنسب كما قلنا إلى فترة حكم سلوقس نيكاتور ( 312-280 ) ق.م. ونظرا للموقع الهام للمدينة، فقد تمركزت فيها قوات عسكرية كبيرة، ولايعرف إن كانت تابعة لمدينة ما، وربما كانت مستقلة بذاتها. وفي تلك الفترة، وازدهرت بسرعة كبيرة، وكان يضرب فيها النقود، كما كانت مركزا مهما لعبادة الإلهين أثينا حامية البلاد العظيمة، وزيوس (إله الصاعقة). ويعتقد أن معبد زيوس كان على قمة الجبل المجاور للمدينة. إلا انه بعد انسلاخ آسيا الصغرى عن الدولة السلوقية، إثر معاهدة أفاميا عام 188 ق.م، فأصبحت سيروس مدينة حدودية، فقدت أهميتها المدنية، أصبحت مركزا لتجميع الجيوش، وتأمين الجنود الأشداء لملوك إنطاكية. وفي عام 83 ق.م، سيطر عليها ملك أرمينيا ( تيكران ) الكبير، فشمل الفوضى كل منطقتها، إلى أن استردها الرومان في عام 69 ق.م.
- في الفترة الرومانية:
أصبحت سوريا ولاية رومانية بدخول القائد الروماني ( بومباي ) إليها في عام /64/ ق.م. وكانت سيروس في بداية العصر الروماني مسرحا لمعارك كبيرة بين الرومان والبارسيين ( الفرس )، الذين اجتاحوا سوريا في عام /40 / ق.م وبصورة مؤقتة. وفي بداية سيطرة الرومان على مناطق سوريا استخدم الرومان سيروس مركزا لقوة عسكرية كبيرة هي الفرقة العاشرة، وظلت كذلك في الثلثين الأولين من القرن الأول الميلادي. ولكن بعد اتساع حدود الدولة الرومانية نحو الشرق، لم تعد سيروس منطقة حدودية، بل أصبحت مركزا لإحدى المناطق الإدارية الثلاث في سوريا، وعرفت بـ (سيروستيك) أو (قورستيكا) نسبة إلى عاصمتها مدينة سيروس، وكانت مدينة بيروا ( حلب ) تابعة لها.
وازدهرت منطقة سيروس ازدهارا رائعا في أيام الحكم الروماني البيزنطي، وخاصة في الفترة التي تسمى بالسلم الروماني، حتى أصبحت مفتاح منطقة الرافدين، وصلة الوصل بين إنطاكية وتسويجما ( مدينة نزب ) في تركيا شرقي عنتاب، وسكت فيها العملة. ولكن بعد إنشاء الطريق الروماني المعبد بين بيروا ومدينة منبج، تحول المركز الإداري لمقاطعة سيروستيكا إلى منبج، وأصبحت سيروس تابعا إداريا لها، إلا أن أهميتها التجارية استمرت، وظلت عقدة اتصال هامة في المنطقة طوال القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وكان يتفرع من سيروس ست طرق رئيسية إلى الأقاليم المجاورة.
بعد استلام الأسرة الساسانية عرش المملكة البارسية سنة 227 م، غزا الفرس سوريا واحتلوا سيروس وانطاكية سنة 257 م لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما استعادها الرومان. ورغم أحداث الحرب، وظروف الاحتلال، بقيت سيروس مزدهرة، ومركزا دينيا مسيحيا، وسياسيا مرموقا حتى نهاية العصر الروماني. فقد كانت كنيسة (ديونيسيوس) في سيروس والمدينة، في عهد القيصر اناستاس ملجأ للهاربين دون أن يصابوا بأذى (الدر المنتخب، ص 62).
- العصر البيزنطي (القرن الرابع الميلادي وحتى مجيء الإسلام):
جرى الانفصال السياسي بين بيزنطة وروما عام 330 م، وتشكلت على أثرها الدولة البيزنطية التي اعتنقت المسيحية. ويعود الفضل في معرفة معلومات غزيرة عن أحوال مدينة سيروس في هذه الفترة إلى كتاب (التاريخ الديني)، الذي ألفه أسقف سيروس المسمى تيودور أو تاودوره (رزق الله)، الذي استلم اسقفيتها اعتبارا من عام 423م. فقد ذكر تاودوره في كتابه أن منطقة سيروس كانت أبرشية تضم 800 كنيسة، أما إداريا، فقد كانت جزءا من ولاية الفرات. وأصبحت منطقة كبيرة طولها 80 كم، وعرضها 50 كم، تحيط بها أربع ابرشيات، هي: إنطاكية وعنتاب ومنبج وحلب. وكانت إداريا تضم: جبل الأكراد، وشيخ خوروس، وميدانكي واعزاز، وكلز، وجبرين اعزاز، واكده ، نيارا، وشيخ ريح، إضافة إلى العاصمة سيروس. وغيرها العديد من القرى ( الأب بولس، ص 80 ). أما قلعة المدينة وسورها والعديد من الأبنية العامة، فقد بنيت بفضل الإمبراطور جوستينيان. وفي هذه الفترة البيزنطية كانت سيروس، أصبحت مقرا لفرقة عسكرية كبيرة.
وفي النصف الأول من القرن السادس للميلاد، تعرضت المدينة إلى غارات الفرس، وانتهت تلك العمليات العسكرية بتوقيع معاهدة سلام بينهم وبين الإمبراطور جوستينيان في عام 532 م. إلا أن الفرس خرقوا تلك المعاهدة بعد عدة سنوات وهاجموا سوريا مجددا، واحتلوا حلب وانطاكية، واستمرت حالة الحرب والسلم بين الفرس والبيزنطيين حوالي قرن من الزمن، تبادلوا خلالها السيطرة على هذه المناطق من شمال سوريا، إلى أن طرد الإمبراطور البيزنطي ( هرقل ) طرد الفرس منها نهائيا في عام 630 م. ونتيجة للحروب السابقة، تعرضت سيروس للخراب مرتين في أعوام 540 و 574 م. وعلى اثر ذلك ضعفت أهميتها التجارية، ولكنها بقيت تحتفظ بأهمية دينية مرموقة، وسميت في القرن السادس الميلادي ( آجيا بوليس ) المدينة المقدسة أو القديسين.
- العهد الإسلامي:
استسلمت مدينة سيروس إلى القائد الإسلامي عياض بن غنم عام / 637 / ميلادي سلما، شرط دفع الجزية. ونظرا لوقوعها على الحدود البيزنطية، فقد كانت لها أهمية عسكرية خاصة في أيام الأمويين والعباسيين. وقد أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، بنقل حجارة كنيسة سيروس، لاستعمالها في بناء جامع ذكريا بحلب، فدفع الإمبراطور البيزنطي أموالا طائلة لقاء استرداد ثلاثة أعمدة من أعمدة الكنيسة، التي يقول عنها ابن الشحنة: أنها كانت من عجائب الدنيا السبع، إلا أن الوليد رفض طلبه. وفي عهد هارون الرشيد الخليفة الأموي، كانت سيروس من جملة العواصم السبع، وفيها حامية عسكرية كبيرة تابعة إداريا لمنبج .
وقد استولى البيزنطيون على سيروس مجددا في عام 905 م، وبقيت في حوزتهم. إلى أن استولى عليها الصليبيون وأطلقوا عليها اسم (كوريسي)، وجعلوها من الإقطاعيات التابعة لكونتيسة اديسا (رها الحالية).
وقد لعبت مدينة سيروس دورا هاما في الربط بين إمارتي إنطاكية والرها في الفترة الصليبية. وفي عام 1150 م، بعد أن اسر القائد البيزنطي جوسلين بيد مجموعة من سكان المنطقة المسلمين، سيطر نورالدين زنكي على سيروس، كما سقطت بيده قلاع وحصون الإفرنجة في تلك الأنحاء، مثل اعزاز وراوندان…الخ. إلا أن نورالدين أمر بتدمير سيروس، والانسحاب منها عام 1157 م خوفا من عودة سقوطها بيد الفرنجة. كما أن زلزالا كبيرا حدث في عام 1140 م كان قد اضر بالمدينة كثيرا.
ومنذ ذلك التاريخ هجرت المدينة تماما، وتحولت إلى أطلال مندثرة، إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في بيروت السيد /هنري سرينغ/ في عام 1952، بالتنقيب فيها لسبع مواسم متفرقة، وكشف النقاب عن المعالم الأساسية للمدينة وأبنيتها، فأثار انتباه الباحثين والمهتمين بالآثار والتاريخ إليها.
ومن ابرز المعالم الأثرية الباقية لمدينة سيروس، هو المسرح الروماني الرائع الذي يعتبر اجمل مدرج روماني، ويعود بناؤه إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، إضافة إلى شارعها الرئيسي والحمامات والمدافن التي بنيت عل غاية من الرقي والإبداع. وفيها قبر لقائد روماني على شكل برج مسدس الشكل لايزال يحتفظ بكامل هيكله، يقع على الطرف الجنوبي الغربي للمدينة، في الغرفة الصغيرة تحت البرج مقام (قبر رمزي) مؤرخ لعام 703 للهجرة، و قد بني بجانب المدفن مسجد مؤرخ في عام /1276/ للهجرة يؤمه المصلون المسلمون من القرى المجاورة في إقامة صلاة الجمعة والعيدين
قرية دير سمعان:
تعليقات
إرسال تعليق